البرلمان السوري المؤقت
رؤية في الثورة السورية
بقلم : نايف شعبان
-----------------
مرت الثورة السورية منذ بدايتها بعدة مراحل، وشهدت تحولات في طرق إظهار الغضب والرفض، من السلمية إلى العصيان المدني المجزأ وصولاً إلى الدفاع عن النفس بكل الوسائل وخصوصا المسلحة، وأصبح تشكيل المجموعات المسلحة تحت مسمى كتائب ظاهرة منتشرة في كل المناطق، وكان هذا التشكيل للكتائب ردة فعل على ما يمارسه الاحتلال من وسائل تنكيل وقتل وتعذيب وإهانة للكرامات وهتك للأعراض .
رؤية في الثورة السورية
بقلم : نايف شعبان
-----------------
مرت الثورة السورية منذ بدايتها بعدة مراحل، وشهدت تحولات في طرق إظهار الغضب والرفض، من السلمية إلى العصيان المدني المجزأ وصولاً إلى الدفاع عن النفس بكل الوسائل وخصوصا المسلحة، وأصبح تشكيل المجموعات المسلحة تحت مسمى كتائب ظاهرة منتشرة في كل المناطق، وكان هذا التشكيل للكتائب ردة فعل على ما يمارسه الاحتلال من وسائل تنكيل وقتل وتعذيب وإهانة للكرامات وهتك للأعراض .
من حيث الولاءات كان هناك تغير أيضا في طريق الثورة فامتزج الولاء للهدف الأول وهو إنهاء الاحتلال ببعض الولاءات الحزبية والسياسية وحتى الشخصية، واتسعت دائرة الهدف لتشمل عددا آخر من الخصوم، كما اُستقطبت بعض القوى من خلال المال السياسي وأصبحت فاعليتها مرتبطة بحجم الدعم الذي تتلقاه هذه الكتائب، وإن كانت معظم الكتائب تنكر استقطابها من خلال المال السياسي، لكن المراقب على الأرض يرى طرق استجرار التمويل من تصوير لعمليات نوعية إلى إعلان الولاء لجهة ما بالصوت والصورة أو بإصدار بيانات تؤكد هذا الولاء .
للوهلة الأولى قد يُنظر إلى هذا الأمر على أنه سياق طبيعي لتطور الأحداث، لكن الحقيقة أن هذه الممارسات أثرت كثيرا على خط الثورة فالانبهار الأول بقوة الكتائب التي اندرجت تحت مسمى الجيش الحر وهي في الحقيقة تمثل جيوشا وليس جيشا واحدا، هذا الانبهار تحول إلى تذمر لدى البعض إما بسبب ممارسات هذه المجموعات المسلحة، وإما بسبب الخوف من المستقبل وما يمكن أن تجره هذه المجموعات من فوضى .
انعكس الخلاف السياسي والفوضى الفكرية إلى فوضى على الأرض مست جميع مناحي الثورة، بين راجٍ لتدخل الغرب إلى رافض لهذا التدخل، وأغرت القوة أصحابها فهيأت لهم أنهم يستطيعون إيلام هذا الاحتلال فرادى فكانت الكوارث الإنسانية التي دفع ثمنها غالبا العزّل والمستضعفين، وطبعا لا ننكر سقوط شهداء أيضاً من المقاتلين .
بمحاكمة بسيطة لما يحصل على الأرض نجد أن المسؤول الأول عن معظم الشهداء والضحايا هو الاحتلال لا شك، لكن هذا لا ينفي مسؤوليتنا نحن أيضا عن استجرار القتل الجماعي بسبب الأنانية المفرطة التي تمتعنا بها خلال سنة من الثورة فأصبحت المفاضلة بين الثوار على قدر الثمن الذي دفع وكأن المقياس هو فقط حجم التضحيات .
لو نظرنا إلى الثورة منذ بدايتها وما قدمته من ثمن وبحثنا ما هي مكتسباتنا حتى الآن لوجدناها لا تقارن بحجم الخسائر والفوضى والدفع باتجاه حرب أهلية شاملة ستزيد من عدد الضحايا وسترفع من الثمن، وكان حري بنا منذ البداية أن ننكر ذواتنا ونتجمع في كتلة واحدة ونضرب الاحتلال في مراكز قوته خارج المدن وعدم استجراره إلى المدن .
لا نقلل من بطولات مقاتلينا وتفانيهم في التضحية والوفاء ولكن هذا لا يمنعنا من التنويه إلى حجم الخطأ الفادح الذي ارتكبناه، فنحن عمليا عندما نتحصن في المدن فإننا نتحصن أيضا مع المستضعفين من النساء والأطفال الذين لا قرار لهم في القتال ولا نستطيع حمايتهم .
إننا صامدون تحت القصف والنار ولكننا لا نستطيع تأمين غطاء من الحماية لمستضعفينا، وهذا يزيد من بشاعة المعركة وبالتالي يزداد إصرارنا على الثأر ويزداد عناد خصمنا عن التراجع فكل يوم تضيق أمام جنوده بوابة التراجع ويغرق أكثر في دماء الشهداء وآلام المعذبين .
منذ بداية الثورة كانت لنا رؤية في انتظام العمل الثوري وتطبيقه كثقافة تحرير وليس ثقافة قتال فقط، والفارق بينهما أن التحرير عملية متكاملة تختلط فيها السياسة بالقوة، بينما القتال هو قوة فقط ولطالما أغرت القوة صاحبها وخدعته وساقت به إلى مسارات لم يكن يحسب لها حساب بعملية تراكمية تغرقه أكثر فأكثر .
الوضع الآن على الأرض هو معارك متفرقة في مناطق مختلفة أمام عدو يمتلك الكثير من القدرات ولا يمكن لأي من هذه المعارك أن تحقق الانتصار منفردة، فبتنا نؤكل فرادى ونصر أكثر على عدم التجمع في قوة واحدة لأن كل منا يلقي باللوم على الآخر .
ولا نغفل ما تفتقت عنه عقول السياسيين في الخارج من تجارب سياسية يومية تخرج علينا بامتيازات البارونات فكل منهم يرى في نفسه من يملك كل الحقيقة ويقوي نفسه بالمال السياسي ويركز جهوده على الاستقطاب السياسي للكتائب والأفراد ويغفل في الجانب الآخر العناية التكتيكية في كيفية التخطيط للمعركة .
رؤيتنا أن هؤلاء السياسيين لا يمتلكون أية رؤية للتحرير وإنما يمتلكون رؤى لكيفية استلام السلطة بعد رحيل الاحتلال، ونزعم أن ما قمنا بنشره من أفكار ودعوات لبناء دولة الاستقلال كان له الأثر الكبير في لفت انتباه السياسيين إلى الكثير من الأفكار، بدءاً من تشكيل المجالس العسكرية وتوحيد الكتائب مروراً بإيجاد برنامج سياسي للعمل وتكريس فكرة الاحتلال وانتهاءً باتخاذ خطوات لإيجاد مظلتين سياسية وعسكرية تكوّنان سلة مكتسبات للثورة .
ما لم يستطع فعله السياسيون هما أمرين اثنين :
- لم يستطيعوا بناء مرجعية دستورية يجمع عليها السوريون، وما كان تأييد المجلس الوطني إلا صدى لليأس الذي تملك الناس وظنوا أن هذا التأييد سيستجلب الدعم العسكري الخارجي .
- لم يستطيعوا أن يشكلوا قوة من الداخل تفرض رأيها على الساحة وتنهي النزاعات السياسية بين القوى المتنافسة وإن بدت في الظاهر أنها متوافقة .
في الساحة الداخلية الآن بركان يغلي وهو مزيج بين اليأس والخوف والغضب والرغبة في الانتقام، هذا البركان على وشك أن ينفجر في صور عديدة، من انفلات أمني كامل إلى صراع بين المؤيدين والمعارضين والممتنعين، إلى قتال مسلح سيشمل كل الأماكن ولن يبقى مكان آمن في سوريا أبدا وستتعدد مصادر الخطر ولن يبقى الاحتلال هو المصدر الوحيد بل ستكون المجموعات المسلحة والمجموعات الإثنية والطائفية هي مصادر أخرى للخطر .
صورة أخرى سنراها قريبا إن بقيت الحالة على ما هي عليه الآن، وهي هجرة جماعية وكثيفة داخلية وخارجية وستزداد الخسائر من خسائر في الأرواح والممتلكات إلى خسائر في القيم الأخلاقية وسنكون في وضع أكثر بشاعة من العراق الذي يخوفوننا به كمآل للحال .
هذا التبيان ليس دعوة للتشاؤم والخوف، وليس حافزا للندم على قيام هذه الثورة، بل هو توصيف عميق وصادق لما نحن عليه الآن وما يمكن أن يكون .وهو أيضا حافز للقيام بخطوة جريئة لا تقل جرأة عن الثورة نفسها وتتمثل في البدء العملي والحقيقي في بناء دولة الاستقلال، يجب أن يكون رد فعلنا على فعل الهدم والتدمير هو البناء والتحدي السياسي والعسكري من خلال وضع خارطة طريق متكاملة وتجميع للقوى والبدء بمعركة تحرير حقيقة وليس فقط ضربات هنا وهناك .
الغرب لن يتدخل، فهو يحتسب عدد القتلى يوميا بعدد الضحايا السوريين بين شهداء من الثوار وقتلى من الاحتلال. الغرب يرى في كلا الطرفين قتلى سوريين وكلما ازداد العدد اعتبره نصرا له على المستوى السياسي والأخلاقي.
إن فعل بناء الدولة هو عملية ترميم للدولة المتهالكة بسبب الحرب، وهو أيضاً رسالة لكل العالم الذي يرى في السوريين قصّراً عديمي الإرادة، أن هذا الشعب قادر على خوض معركة التحرير وبناء دولته في آن واحد، وهذا عمل يعتبر بحد ذاته نصراً لحين تحقق الانتصار الكامل، وهو رسالة حضارية وإبداع ثوري ربما يغيّر شكل الثورات في العالم ويضيف نهجاً جديداً للفعل الثوري .