بسم الله الرحمن الرحيم
تمرّ ثورتنا بأكثر مراحلها خطورة و حرجاً , و الذي قد يطيح بكل التضحيات التي قدمها هذا الشعب , و قد تؤول إلى نجاة المجرمين مما ارتكبوه بحق الشعب السوري , تحت غطاء ما يسمى بالتسوية السياسية .
يحاول المجتمع الدولي سَوقَنا إلى مؤتمرات سلام متعددة يتم خلالها تفكيك أهداف الثورة و رموزها بشكل تدريجي , مرورا بحالة من التشظي السياسي و تحول الثورة إلى تكتلات أيديولوجية و سياسية و فكرية متنافرة متصارعة , تجعل من الصعب الاتفاق على تحديد جملة أهداف سياسية وطنية متفق عليها بين أطياف الثوار و الكتل السياسية .
تمرّ ثورتنا بأكثر مراحلها خطورة و حرجاً , و الذي قد يطيح بكل التضحيات التي قدمها هذا الشعب , و قد تؤول إلى نجاة المجرمين مما ارتكبوه بحق الشعب السوري , تحت غطاء ما يسمى بالتسوية السياسية .
يحاول المجتمع الدولي سَوقَنا إلى مؤتمرات سلام متعددة يتم خلالها تفكيك أهداف الثورة و رموزها بشكل تدريجي , مرورا بحالة من التشظي السياسي و تحول الثورة إلى تكتلات أيديولوجية و سياسية و فكرية متنافرة متصارعة , تجعل من الصعب الاتفاق على تحديد جملة أهداف سياسية وطنية متفق عليها بين أطياف الثوار و الكتل السياسية .
و قد وجدنا لزاماً علينا أن نقدم توصيفاً للواقع السياسي و الحالة التي وصلت إليها الثورة , و ما سيؤول إليه الحال لو استسلم الثوار لِخُبث السياسة الدولية التي تسعى إلى إنقاذ الاحتلال و ميليشيات المرتزقة من قبضة العدالة , و الالتفاف على الثورة و تحويلها إلى أزمة سياسية تجعل الحل تسوية سياسية , في تكييف جديد لوصف الثورة على أنها أزمة سياسية بعد أن فشل الاحتلال و المجتمع الدولي في تحويلها إلى حرب أهلية .
و تجنباً لسلوك مسارات سياسية تهدد مصلحة السوريين و تضحياتهم ,فقد يطول الزمن قبل تحقيق حسم عسكري لصالح الثورة ,و قد لا ننجح في وضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع و الاعتراف بنا كثورة , و على افتراض أن " المعارضة السياسية" ستذهب إلى مفاوضات سياسية مع الاحتلال برعاية دولية, فإننا نرى من واجبنا أن نبين مسالك هذه المفاوضات من وجهة نظرنا , و إيضاح المحاذير التي قد يقع بها المفاوض و التي تعتبر تنازلاً عن قيمةٍ من قيم الثورة السورية , سواء مذ أن كانت سلمية مطالبة بإسقاط النظام , أو في مراحلها الحالية التي وصلت إليها و أصبحت حرب تحرير ضد الاحتلال
هذه المساهمة نراها مسؤولية وطنية و أخلاقية مهمتها " توضيح غامض " , و إطلاع الرأي العام على شكل المستقبل إن تم التهاون بحقوق السوريين في الحرية و العدالة و في الحفاظ على هويتنا الإسلامية, و المساهمة في تضييق الهوّة بين انتماءنا التاريخي و دعوات التغريب تحت مسمياتٍ عديدة .
سيتم تقديم التوصيف و التوصيات على شكل أوراق سياسية , سأبدأها بهذه الورقة و التي تهتم بتوصيف جرائم الاحتلال في سوريا من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني و الجنائي , و كي لا يتسع البحث كثيراً فقد اعتمدت على " نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية " , تم توصيف الجرائم التي تندرج تحت بند ( جرائم ضد الإنسانية ) .
و أرفقت مع هذه الورقة , ورقة أخرى تعتمد مصادر من ( 27 ) وثيقة دولية تشرح جرائم الاحتلال في سوريا .
قد يختلف ( التكييف القانوني ) - لبعض القانونيين - للمواد القانونية على اعتبار أنها حرب أهلية , أو غزو خارجي أو احتلال , و معه يتغير توصيف الجرائم و ربما تخرج الأحكام من اختصاص المحكمة الدولية , و في حال عدم إنشاء مؤسسة قضائية وطنية من قبل الثوار , فسوف يتم ضياع الحقوق ضمن التسويات السياسية و نجاة المجرمين , لذلك أودّ أن أشير هنا إلى نقطة مهمة :
كل الجرائم التي حصلت في سوريا يتحمل مسؤوليتها نظام ( الاحتلال ) متمثلاً برأس الهرم و حزبه و أدواته العسكرية( بشار و حزب البعث و المؤسسة العسكرية ) , مضافاً إليها الدعم السياسي و العسكري و إرسال المرتزقة المتمثل بإيران و لبنان و روسيا و العراق , و في كل هذه النقاط هناك عشرات المواد القانونية التي تجرِّم الجهات التي تُعتبر جهات مشاركة في هذه الجرائم .
فلو تم اعتماد أي تفسير قانوني لجهة الاختصاص , فهناك مواد تجرِّم الدولة (نظام الاحتلال) , و هناك مواد تعتبر الداعمين الخارجيين شركاء في الجريمة ,و هناك مواد تعتبر كلاهما مجرم .
بالنتيجة , هناك جرائم ارتُكِبت و لا بد من محاسبة مرتكبها سواء اعتُبرت من اختصاص القانون الوطني ,أو القانون الدولي ,و لا بد من تحقيق العدالة مهما كانت التسميات أو التوصيف القانوني , أو تكييف الجرم بِلغة القانون .
نقطة ثانية .. لستُ أعوّلُ كثيرا على القانون الدولي فمن خلال ممارساته للعديد من القضايا التي تتعلق بجرائم الحرب , لم تستطع المنظومة الدولية أن تحاسب المجرمين , إلا في حالات ضيقة جداً و لأشخاص محددين جداً , و بعضهم تم العفو عنهم بعد إدانتهم و الحكم عليهم , و شاركوا بالحكومات اللاحقة كما حصل في اليابان أو غيرها ,و لا يعتدُّ بالحالة الألمانية فهي تعتبر فريدة من نوعها في محاسبة عدد كبير من الأشخاص , على اعتبار -أن هذه المحاكمات- جزء من التعويض عن اليهود في جرائم الإبادة المزعومة , و مع كل ذلك لا بد من توضيح موقف القانون الجنائي الدولي من هذه الجرائم و الممارسات كي نفوِّت الفرصة على من يريد التحايل على الرأي العام بزعمه أننا في حرب أهلية و لا حل إلا بالتسوية السياسية .
هذه الورقة هي محاولة لإزالة الغموض عن الكثير من المفاهيم القانونية التي يستخدمها المجتمع الدولي لتحقيق أهداف سياسية , إن أصبنا فبتوفيق الله , و إن أخطأنا فمن أنفسنا .
الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سوريا
خلال الثورة السورية
في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية و التي اقتصر اختصاصها على :
( أ ) . جريمة الإبادة الجماعية .
(ب) . الجرائم ضد الإنسانية .
(ج) . جرائم الحرب .
(د) . جريمة العدوان .
و قد مارس الاحتلال و ميليشياته كافة الجرائم المنصوص عنها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , و سنكتفي في هذا البحث بتوصيف بعض هذه الجرائم التي وردت في المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تحت مسمى الجرائم ضد الإنسانية , و التي ارتكبت بحق السوريين على أيدي قوات الاحتلال ( جيش النظام ) , و ميليشيات المرتزقة من ما يسمى بميليشيات " حزب الله " , و ميليشيات الحرس الثوري الإيراني , و الميليشيات العراقية المتعددة الانتماءات , و غيرهم من المرتزقة التي استعان بهم النظام من روسيا و من دول أخرى من الديانة الشيعية أو سواها .
1- الاعتقال التعسفي و السجن و حرمان السجناء من حقوقهم .
تمت عمليات الاعتقال التعسفي منذ اليوم الأول للثورة دون أي وجه قانوني , و دون ضمانات للمعتقلين , مصحوباً بكافة أنواع الإهانة و الضرب المبرح و الاعتقال المهين في ظروف لا إنسانية و لفترات غير محدودة أو منصوص عليها في القانون , و لم يسمح للمعتقلين أن يتواصلوا مع الخارج أو مع ذويهم و أو مع أية جهة قانونية أو دولية لضمان حقوقهم و سلامتهم , و معظم المعتقلين لم يعرف مصيرهم بأي شكل , و استمرت عمليات الاعتقال التعسفي حتى يومنا هذا دون اية محاكمات و غيب الكثيرون و دفنوا في مقابر جماعية دون أن يتم الإعلان عنهم , بالإضافة إلى الآلاف الذين قضوا موتاً تحت التعذيب و ظروف الاعتقال اللاإنسانية و المرض .
بلغ عدد المعتقلين حسب الأرقام التقديرية بحدود (180) ألف معتقل , و قضى منهم موتاً حسب الأرقام المقدرة ممن تم إعلام ذويهم بوفاتهم أو التسريبات ما يقارب (40) ألف معتقل و لا زال مصير عشرات الألوف مجهولاً , بالإضافة إلى القيام بعمليات الإعدام وفق محاكمات غير علنية و غير قانونية قامت بها المحاكم العسكرية بناء على تهم ملفقة .
و قد تم اعتبار هذه الأعمال جرائم ضد الإنسانية في الفقرات ( هـ ) , ( و) , (ط ) , (ك ) , من المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , و قد تم توثيق آلاف الحالات من قبل الثوار أو مما تسرب عن طريق جنود الاحتلال أو المنشقين عنه .
2- التعذيب و القتل و التمثيل .
لم يكتفي الاحتلال بعمليات القتل التي سببها القصف بكل أنواع الأسلحة التقليدية و غير التقليدية , و الموت الذي نشرته آلته العسكرية على كافة رقعة الوطن المحتل , بل أيضاً لجأ إلى عمليات الإعدامات الميدانية على الحواجز التي قطّع بها أوصال المدن , بالإضافة إلى عمليات القتل - المخطط له مسبقا - ذبحاً بالسكاكين للنساء و الأطفال و الشباب , و تقطيع الأطراف و بقر بطون الحوامل , و التمثيل بجثامين الشهداء , و تجارة الأعضاء , بشكل يمثل خرقاً لكل الأعراف و المواثيق الإنسانية .
و هو كما عرفته الفقرة (1/ أ) من المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعتبر جريمة ضد الإنسانية.
و قد تم توثيق آلاف الحالات من قبل الثوار أو مما تم تسريبه من جنود الاحتلال أو المنشقين عنه .
3- جرائم الاغتصاب و انتهاك الأعراض .
تعتبر جرائم الاغتصاب من الجرائم التي سعى لها الاحتلال و الميليشيات بشكل منظم و دَوريّ بقصد إهانة المسلمين بشكل تتقزز منه النفوس , فقد تم الاغتصاب بشكل فردي أو جماعي , و في حالات كثيرة كان يجبر الأب أو الأخ على مشاهدة عملية الاغتصاب , و في حالات كثيرة أيضاً كان يتم إعدام الضحية بعد اغتصابها , أو ترك علامة عليها بآلة حادة و تشويهها , و من بقيت على قيد الحياة تم اغتصابها جماعيا لتترك بعد ذلك ذليلة كسيرة , ناهيك عن الحالات الكثيرة التي تم فيها الحمل سفاحاً و احتجزت الحوامل لمنعهم من الإجهاض و هناك الكثير من المواليد سفاحاً و خصوصاً بين المعتقلات , و مما تتقزز منه النفوس أن قوات الاحتلال و ميليشياته ليس فقط أنها لا تعتبر هذه الأفعال جرائم , بل إنها تعتبرها مهمة تاريخية مقدسة .
و هو ما يعتبر من الجرائم ضد الإنسانية كما عرفته الفقرة (1/ ز ) من المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية . - و هناك الآلاف من هذه الجرائم تم توثيقها .
4- التهجير القسري للسكان .
تعتبر جريمة التهجير القسري من الجرائم التي نصت عليها الفقرة (1/ د) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , و قد عرّفتها بـ " إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان" ," نقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي "
فمنذ الأشهر الأولى للثورة , ارتفعت وتيرة القتل من قبل قوات الاحتلال و ميليشياته بشكل مذهل و انتشرت عمليات القتل في كل المدن السورية بشكل لم يسبق له مثيل مستخدمين بذلك كل أنواع الأسلحة , و مع منع النظام الدولي السوريين من حق الدفاع عن أنفسهم و حقهم بالتسلح , اضطر جزء كبير من السكان إلى النزوح للدول المجاورة هربا من الموت و ارتفع أعداد المهجرين ليصل إلى الملايين , و جزء منهم لم ينجو أثناء هروبه فكانت قوات الاحتلال تقتل و تغتصب و تسرق في كل مكان في عملية منظمة الهدف منها إجبار أكبر عدد من السكان على النزوح و إضعاف روح المقاومة لدى السوريين , في جريمة تضاف إلى بقية الجرائم التي يرتكبها الاحتلال و ميليشياته .
5- الإبادة و الاضطهاد :
تم حرمان السوريين من حقوقهم الأساسية في المأكل و المشرب و تقرير المصير , و التحرك و التنقل الآمن , و تمت محاصرتهم و منع أعمال الإغاثة عنهم , و منع المأكل و الدواء و الوقود و قطع المياه و الكهرباء , في جريمة بشعة تسببت بوفاة الكثيرين من النساء و الأطفال و كبار السن نتيجة للأزمات الناتجة عن الحصار الخانق للعديد من المدن و البلدات , تم خلالها محاصرة مئات الألوف من السكان .
و قد عرفتها وفق الفقرة (1/ ب ) من المادة (7) بـ "تشمل "الإبادة" تعمّد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان " .
و كذلك عرفتها المحكمة الجنائية الدولية وفق الفقرة (1 / ح ) من المادة (7) بـ "الاضطهاد" حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع "
6- الاضطهاد الديني :
محاصرة المصلين و ترهيبهم , و اعتقالهم و ضربهم و إهانتهم , و منعهم من ممارسة شعائرهم كمسلمين , و إغلاق المساجد و حرقها و تدنيسها , و استهدافها بشكل منظم بكافة أنواع الأسلحة, حتى أنه لم يسلم جامع من الهدم كلياً أو جزئياً , أو الحرق و التدنيس , بالإضافة إلى تدنيس القرآن و إعدام أئمة المساجد , في حرب معلنة و كثيفة على المسلمين مدعومة من قوات الاحتلال , و الميليشيات التي تتبع الديانة الشيعية , الإيرانية و العراقية و غيرها
و هو ما اعتبرته المحكمة الجنائية الدولية في نظامها الأساسي في الفقرة (1 / ح ) من المادة (7) على أنها من الجرائم ضد الإنسانية .
و تم توثيق عشرات الحالات من هذه الجرائم و التي لازالت مستمرة .
لو أردنا أن نتوسع في توصيف الجرائم التي ارتكبها الاحتلال و المرتزقة , لما اكتفينا بعشرات المجلدات من الحقائق التي خرقت كل الأعراف و المواثيق للقانون الدولي الإنساني الذي تراكم على مدى خمسة آلاف عام , و لكننا اكتفينا بتوصيف بسيط لبعض الجرائم تجنباً للإطالة .
تنزيل ملف - نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
تنزيل ملف - ملحق المعاهدات الدولية
و تجنباً لسلوك مسارات سياسية تهدد مصلحة السوريين و تضحياتهم ,فقد يطول الزمن قبل تحقيق حسم عسكري لصالح الثورة ,و قد لا ننجح في وضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع و الاعتراف بنا كثورة , و على افتراض أن " المعارضة السياسية" ستذهب إلى مفاوضات سياسية مع الاحتلال برعاية دولية, فإننا نرى من واجبنا أن نبين مسالك هذه المفاوضات من وجهة نظرنا , و إيضاح المحاذير التي قد يقع بها المفاوض و التي تعتبر تنازلاً عن قيمةٍ من قيم الثورة السورية , سواء مذ أن كانت سلمية مطالبة بإسقاط النظام , أو في مراحلها الحالية التي وصلت إليها و أصبحت حرب تحرير ضد الاحتلال
هذه المساهمة نراها مسؤولية وطنية و أخلاقية مهمتها " توضيح غامض " , و إطلاع الرأي العام على شكل المستقبل إن تم التهاون بحقوق السوريين في الحرية و العدالة و في الحفاظ على هويتنا الإسلامية, و المساهمة في تضييق الهوّة بين انتماءنا التاريخي و دعوات التغريب تحت مسمياتٍ عديدة .
سيتم تقديم التوصيف و التوصيات على شكل أوراق سياسية , سأبدأها بهذه الورقة و التي تهتم بتوصيف جرائم الاحتلال في سوريا من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني و الجنائي , و كي لا يتسع البحث كثيراً فقد اعتمدت على " نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية " , تم توصيف الجرائم التي تندرج تحت بند ( جرائم ضد الإنسانية ) .
و أرفقت مع هذه الورقة , ورقة أخرى تعتمد مصادر من ( 27 ) وثيقة دولية تشرح جرائم الاحتلال في سوريا .
قد يختلف ( التكييف القانوني ) - لبعض القانونيين - للمواد القانونية على اعتبار أنها حرب أهلية , أو غزو خارجي أو احتلال , و معه يتغير توصيف الجرائم و ربما تخرج الأحكام من اختصاص المحكمة الدولية , و في حال عدم إنشاء مؤسسة قضائية وطنية من قبل الثوار , فسوف يتم ضياع الحقوق ضمن التسويات السياسية و نجاة المجرمين , لذلك أودّ أن أشير هنا إلى نقطة مهمة :
كل الجرائم التي حصلت في سوريا يتحمل مسؤوليتها نظام ( الاحتلال ) متمثلاً برأس الهرم و حزبه و أدواته العسكرية( بشار و حزب البعث و المؤسسة العسكرية ) , مضافاً إليها الدعم السياسي و العسكري و إرسال المرتزقة المتمثل بإيران و لبنان و روسيا و العراق , و في كل هذه النقاط هناك عشرات المواد القانونية التي تجرِّم الجهات التي تُعتبر جهات مشاركة في هذه الجرائم .
فلو تم اعتماد أي تفسير قانوني لجهة الاختصاص , فهناك مواد تجرِّم الدولة (نظام الاحتلال) , و هناك مواد تعتبر الداعمين الخارجيين شركاء في الجريمة ,و هناك مواد تعتبر كلاهما مجرم .
بالنتيجة , هناك جرائم ارتُكِبت و لا بد من محاسبة مرتكبها سواء اعتُبرت من اختصاص القانون الوطني ,أو القانون الدولي ,و لا بد من تحقيق العدالة مهما كانت التسميات أو التوصيف القانوني , أو تكييف الجرم بِلغة القانون .
نقطة ثانية .. لستُ أعوّلُ كثيرا على القانون الدولي فمن خلال ممارساته للعديد من القضايا التي تتعلق بجرائم الحرب , لم تستطع المنظومة الدولية أن تحاسب المجرمين , إلا في حالات ضيقة جداً و لأشخاص محددين جداً , و بعضهم تم العفو عنهم بعد إدانتهم و الحكم عليهم , و شاركوا بالحكومات اللاحقة كما حصل في اليابان أو غيرها ,و لا يعتدُّ بالحالة الألمانية فهي تعتبر فريدة من نوعها في محاسبة عدد كبير من الأشخاص , على اعتبار -أن هذه المحاكمات- جزء من التعويض عن اليهود في جرائم الإبادة المزعومة , و مع كل ذلك لا بد من توضيح موقف القانون الجنائي الدولي من هذه الجرائم و الممارسات كي نفوِّت الفرصة على من يريد التحايل على الرأي العام بزعمه أننا في حرب أهلية و لا حل إلا بالتسوية السياسية .
هذه الورقة هي محاولة لإزالة الغموض عن الكثير من المفاهيم القانونية التي يستخدمها المجتمع الدولي لتحقيق أهداف سياسية , إن أصبنا فبتوفيق الله , و إن أخطأنا فمن أنفسنا .
الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سوريا
خلال الثورة السورية
في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية و التي اقتصر اختصاصها على :
( أ ) . جريمة الإبادة الجماعية .
(ب) . الجرائم ضد الإنسانية .
(ج) . جرائم الحرب .
(د) . جريمة العدوان .
و قد مارس الاحتلال و ميليشياته كافة الجرائم المنصوص عنها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , و سنكتفي في هذا البحث بتوصيف بعض هذه الجرائم التي وردت في المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تحت مسمى الجرائم ضد الإنسانية , و التي ارتكبت بحق السوريين على أيدي قوات الاحتلال ( جيش النظام ) , و ميليشيات المرتزقة من ما يسمى بميليشيات " حزب الله " , و ميليشيات الحرس الثوري الإيراني , و الميليشيات العراقية المتعددة الانتماءات , و غيرهم من المرتزقة التي استعان بهم النظام من روسيا و من دول أخرى من الديانة الشيعية أو سواها .
1- الاعتقال التعسفي و السجن و حرمان السجناء من حقوقهم .
تمت عمليات الاعتقال التعسفي منذ اليوم الأول للثورة دون أي وجه قانوني , و دون ضمانات للمعتقلين , مصحوباً بكافة أنواع الإهانة و الضرب المبرح و الاعتقال المهين في ظروف لا إنسانية و لفترات غير محدودة أو منصوص عليها في القانون , و لم يسمح للمعتقلين أن يتواصلوا مع الخارج أو مع ذويهم و أو مع أية جهة قانونية أو دولية لضمان حقوقهم و سلامتهم , و معظم المعتقلين لم يعرف مصيرهم بأي شكل , و استمرت عمليات الاعتقال التعسفي حتى يومنا هذا دون اية محاكمات و غيب الكثيرون و دفنوا في مقابر جماعية دون أن يتم الإعلان عنهم , بالإضافة إلى الآلاف الذين قضوا موتاً تحت التعذيب و ظروف الاعتقال اللاإنسانية و المرض .
بلغ عدد المعتقلين حسب الأرقام التقديرية بحدود (180) ألف معتقل , و قضى منهم موتاً حسب الأرقام المقدرة ممن تم إعلام ذويهم بوفاتهم أو التسريبات ما يقارب (40) ألف معتقل و لا زال مصير عشرات الألوف مجهولاً , بالإضافة إلى القيام بعمليات الإعدام وفق محاكمات غير علنية و غير قانونية قامت بها المحاكم العسكرية بناء على تهم ملفقة .
و قد تم اعتبار هذه الأعمال جرائم ضد الإنسانية في الفقرات ( هـ ) , ( و) , (ط ) , (ك ) , من المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , و قد تم توثيق آلاف الحالات من قبل الثوار أو مما تسرب عن طريق جنود الاحتلال أو المنشقين عنه .
2- التعذيب و القتل و التمثيل .
لم يكتفي الاحتلال بعمليات القتل التي سببها القصف بكل أنواع الأسلحة التقليدية و غير التقليدية , و الموت الذي نشرته آلته العسكرية على كافة رقعة الوطن المحتل , بل أيضاً لجأ إلى عمليات الإعدامات الميدانية على الحواجز التي قطّع بها أوصال المدن , بالإضافة إلى عمليات القتل - المخطط له مسبقا - ذبحاً بالسكاكين للنساء و الأطفال و الشباب , و تقطيع الأطراف و بقر بطون الحوامل , و التمثيل بجثامين الشهداء , و تجارة الأعضاء , بشكل يمثل خرقاً لكل الأعراف و المواثيق الإنسانية .
و هو كما عرفته الفقرة (1/ أ) من المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعتبر جريمة ضد الإنسانية.
و قد تم توثيق آلاف الحالات من قبل الثوار أو مما تم تسريبه من جنود الاحتلال أو المنشقين عنه .
3- جرائم الاغتصاب و انتهاك الأعراض .
تعتبر جرائم الاغتصاب من الجرائم التي سعى لها الاحتلال و الميليشيات بشكل منظم و دَوريّ بقصد إهانة المسلمين بشكل تتقزز منه النفوس , فقد تم الاغتصاب بشكل فردي أو جماعي , و في حالات كثيرة كان يجبر الأب أو الأخ على مشاهدة عملية الاغتصاب , و في حالات كثيرة أيضاً كان يتم إعدام الضحية بعد اغتصابها , أو ترك علامة عليها بآلة حادة و تشويهها , و من بقيت على قيد الحياة تم اغتصابها جماعيا لتترك بعد ذلك ذليلة كسيرة , ناهيك عن الحالات الكثيرة التي تم فيها الحمل سفاحاً و احتجزت الحوامل لمنعهم من الإجهاض و هناك الكثير من المواليد سفاحاً و خصوصاً بين المعتقلات , و مما تتقزز منه النفوس أن قوات الاحتلال و ميليشياته ليس فقط أنها لا تعتبر هذه الأفعال جرائم , بل إنها تعتبرها مهمة تاريخية مقدسة .
و هو ما يعتبر من الجرائم ضد الإنسانية كما عرفته الفقرة (1/ ز ) من المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية . - و هناك الآلاف من هذه الجرائم تم توثيقها .
4- التهجير القسري للسكان .
تعتبر جريمة التهجير القسري من الجرائم التي نصت عليها الفقرة (1/ د) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , و قد عرّفتها بـ " إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان" ," نقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي "
فمنذ الأشهر الأولى للثورة , ارتفعت وتيرة القتل من قبل قوات الاحتلال و ميليشياته بشكل مذهل و انتشرت عمليات القتل في كل المدن السورية بشكل لم يسبق له مثيل مستخدمين بذلك كل أنواع الأسلحة , و مع منع النظام الدولي السوريين من حق الدفاع عن أنفسهم و حقهم بالتسلح , اضطر جزء كبير من السكان إلى النزوح للدول المجاورة هربا من الموت و ارتفع أعداد المهجرين ليصل إلى الملايين , و جزء منهم لم ينجو أثناء هروبه فكانت قوات الاحتلال تقتل و تغتصب و تسرق في كل مكان في عملية منظمة الهدف منها إجبار أكبر عدد من السكان على النزوح و إضعاف روح المقاومة لدى السوريين , في جريمة تضاف إلى بقية الجرائم التي يرتكبها الاحتلال و ميليشياته .
5- الإبادة و الاضطهاد :
تم حرمان السوريين من حقوقهم الأساسية في المأكل و المشرب و تقرير المصير , و التحرك و التنقل الآمن , و تمت محاصرتهم و منع أعمال الإغاثة عنهم , و منع المأكل و الدواء و الوقود و قطع المياه و الكهرباء , في جريمة بشعة تسببت بوفاة الكثيرين من النساء و الأطفال و كبار السن نتيجة للأزمات الناتجة عن الحصار الخانق للعديد من المدن و البلدات , تم خلالها محاصرة مئات الألوف من السكان .
و قد عرفتها وفق الفقرة (1/ ب ) من المادة (7) بـ "تشمل "الإبادة" تعمّد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان " .
و كذلك عرفتها المحكمة الجنائية الدولية وفق الفقرة (1 / ح ) من المادة (7) بـ "الاضطهاد" حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع "
6- الاضطهاد الديني :
محاصرة المصلين و ترهيبهم , و اعتقالهم و ضربهم و إهانتهم , و منعهم من ممارسة شعائرهم كمسلمين , و إغلاق المساجد و حرقها و تدنيسها , و استهدافها بشكل منظم بكافة أنواع الأسلحة, حتى أنه لم يسلم جامع من الهدم كلياً أو جزئياً , أو الحرق و التدنيس , بالإضافة إلى تدنيس القرآن و إعدام أئمة المساجد , في حرب معلنة و كثيفة على المسلمين مدعومة من قوات الاحتلال , و الميليشيات التي تتبع الديانة الشيعية , الإيرانية و العراقية و غيرها
و هو ما اعتبرته المحكمة الجنائية الدولية في نظامها الأساسي في الفقرة (1 / ح ) من المادة (7) على أنها من الجرائم ضد الإنسانية .
و تم توثيق عشرات الحالات من هذه الجرائم و التي لازالت مستمرة .
لو أردنا أن نتوسع في توصيف الجرائم التي ارتكبها الاحتلال و المرتزقة , لما اكتفينا بعشرات المجلدات من الحقائق التي خرقت كل الأعراف و المواثيق للقانون الدولي الإنساني الذي تراكم على مدى خمسة آلاف عام , و لكننا اكتفينا بتوصيف بسيط لبعض الجرائم تجنباً للإطالة .
تنزيل ملف - نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
تنزيل ملف - ملحق المعاهدات الدولية