التدمير الذاتي يقرع أبواب الثورة
بقلم : محمد زين
---------------
دعنا نسقط النظام .... ثم بعد ذلك نحل مشاكلنا ونحن نحتسي فنجان قهوة على شرفة البيت عندي أو عندك لا يهم..
لقد نزعنا اعتراف خمس وثمانون دولة بالمجلس الوطني..
لا نمانع أن تتدخل اسرائيل على أن تخلصنا من هذا النظام...
بقلم : محمد زين
---------------
دعنا نسقط النظام .... ثم بعد ذلك نحل مشاكلنا ونحن نحتسي فنجان قهوة على شرفة البيت عندي أو عندك لا يهم..
لقد نزعنا اعتراف خمس وثمانون دولة بالمجلس الوطني..
لا نمانع أن تتدخل اسرائيل على أن تخلصنا من هذا النظام...
أعطني رصاصة تكن لي قائداً ..
نحن السوريون.. كلنا ذاك الزعيم.. كلنا القيادي الأوحد.. كل واحد فينا حاله هذه الحال فمن أين لنا أن نتحد.. مستحيل أن نتفق.. معجز أن نتفق..
أعطني خمسون مقاتلا وعشرون قذيفة كي أحرر لك الشام..
لن يزيل هذا الاحتلال إلا الناتو (المنتظر)..
لقد أجبرنا الموقف الدولي على الوقوف بجانبنا، وحضر مؤتمر أصدقاء سورية مئة دولة، وقد سمعتم ماذا قال فلان وقالت فلانة..
وغير ذلك الكثير من أدبيات ومقولات ثورية أفرزتها تصورات مريضة ومعتلة، وكرستها منهجيات عمل مختلة، وغذتها تربية وثقافة قاصرتين.
ليت عمري أين ذاك الاعتراف من عشرات الدول وماذا ترجم على أرض الواقع.. وهل رُفع علمُ الثورة علمُ الاستقلال على أظهر سفارات بلدنا عند تلك البلدان المعترِفة.. ثم ليت عمري هل بقي من بيت نحتسي على شرفاته القهوة..
الإنسان عدو ما يجهل، ونرى ذلك متجليا واضحا في النظر إلى فهمنا لإشكالاتنا الثورية، فالعقل الذي تعوزه المعرفة المنهجية والحقيقية، يميل إلى تحديد الأشياء بأنماط واضحة المعالم في محاولة بائسة للسيطرة عليها، وقد ينجح جزئيا في ظاهر بعض الحالات، لكن جهده يضيع عند أول اختبار منهجي حقيقي. نرى ذلك جليا في مقولة "نسقط النظام أولا ثم بعد ذلك نحل مشاكلنا"، إذ أن المشكلات على هذا الصعيد هي تركيبة معقدة من مشاكل السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والجغرافيا والعلاقات الإنسانية والإثنية وأكثر من ذلك، وهذه كلها ليست صناديق مغلقة مستقلة منعزلة عن بعضها نرتبها كيف نشاء وفي أي وقت نشاء، وهي ليست ذات حدود زمنية محددة تبدأ في وقت معلوم وتنتهي في وقت آخر معلوم، بل على العكس تماما فهي في غاية التماهي والتداخل تغور أعماقها الزمنية أحيانا وتقصر أحيانا أخرى، فهي مختلطة ومرتبطة ببعضها بصور شتى معقدة، وعليه فإن كل مشكلة حاضرة في مرحلة ما بعد الاحتلال فإن جذورها، بل جذوعها، حاضرة في مرحلة ما قبل زوال الاحتلال، ولكن قد لا يدرك شكلها ولونها غالبيتنا. وبذلك تبطل هذه المقولة السطحية البائسة التي تفرز من المشاكل أكثر مما تحل، فالذين يؤمنون بها هم أعداء لما يجهلون، أعداء لعوامل النصر وأسبابه وأعداء لبناء دولة ذات سيادة، هم أعداء لفعل السنن في حركة التاريخ فهم بذلك أصلا خارج التاريخ، يصنعون تاريخا منهكا متهالكا على قد قياس فهمهم، هم للأسف أعداء لأنفسهم وثورتهم لأنهم يجهلون حقيقتها، والإنسان عدو ما يجهل.
عندما ندير المرحلة الآن على الوجه الصحيح، فإننا ندفع عن أنفسنا شرورا لا تحصى الآن وبعد زوال الاحتلال. وعندما لا نقوم بذلك فإننا نستجلب شرورا لا تحصى الآن وبعد زوال الاحتلال.
أيها الثوار أفيقو قبل أن نجد أنفسنا أمام فاتورة نصر " لتنوء بالعصبة أولي القوة " .
التدمير الذاتي
إن شر المقولة الشائعة على ألسنتنا " - نحن السوريين كلنا ذاك الزعيم..ومستحيل أن نتفق - " قد بات يقرع أبواب الثورة منذرا بتدميرها. وهذه المقولة تجسد ما يعرف اليوم في علم التنمية البشرية بـ التدمير الذاتي Self-Sabotageوهو قانون غاية في الخطورة يسري على الأنفس والمجتمعات والدول والأمم، ونراه جليا واضحا عند تعقب أثر هذه المقولة المغفلة البائسة.
يقول هذا القانون بأنه إذا ما كان لديك اعتقاد بأنك لا تستحق أمرا ما، فإنه إذا ما حان وقت استحقاقك له فإنك تقوم بتدميره بغية المحافظة على معتقدك وذلك في اللاوعي. قانون غريب و مروّع وثابت بالملاحظة والقياس.
وكأننا بسلوكنا الفوضوي غير المسؤول الذي يدفعنا بعيدا عن توحيد القيادة في الداخل وإمساكها بزمام المبادرة السياسية والعسكرية ندمر استحقاقنا لهذه القيادة، كي نحافظ على سلامة اعتقادنا بمقولتنا الشهيرة "نحن السوريين كلنا ذاك الزعيم.. ومستحيل أن نتفق"، إنه لأمر في غاية العجب والخطورة.
إننا نمارس وبكل وضوح تدميرا ذاتيا لثورتنا المجيدة، أقولها وبكل حرقة وألم إننا ندفع بأنفسنا عن أنفسنا النصرَ.
لا يعلم هؤلاء المساكين أصحاب المقولات السابقة المصابون بالعمى الاستراتيجي أن هناك سنن وقوانين تحكم كل شيء في هذا الوجود، في أفرادنا وجماعاتنا وفي كافة عوالمنا البشرية والطبيعية. وهي تعمل جارية بدون توقف، لا يهمها إدراكنا أو معرفتنا بها من عدمه، والتدمير الذاتي هو أحد هذه القوانين، وهو في حال ثورتنا ينحى منحى الفتك إن لم يُبطل أثره بقوانين أخرى مهيمنة عليه. وأنا لست بصدد مناقشة بطلان تلك المقولات وكشف عوّارها وإظهار ضحالتها وعمى بصيرتها، لكنني ذكرتها لأنها كلها تشكل عوامل وتخضع لقوانين تؤازر قانون التدمير الذاتي الذي نحن بصدده، وكفى هذا القانون من الشر أن له من الآثار المدمرة ما يكفيه عن أي مؤازرة. ولا شك أن عوامل مثل المال السياسي والضحالة السياسية والعمى الاستراتيجي , وخذلان المظلوم لمصلحة الحزب والمجموعة والتوجه , واستجداء مَن وراء الحدود، كلها عوامل تفكيك للثورة تُسهّل فعل التدمير الذاتي بشكل أو بآخر.
إبطال التدمير الذاتي
ما لم نسارع بلملمة أوراقنا والالتفاف حول أنفسنا من جديد، نابذين الجهل والغرور، الجهل الذي يجعلنا نستخف بمسؤولياتنا و بعدونا و بثورتنا , ونستخف بحقوقنا وواجباتنا، والغرور الذي يمنعنا من الخضوع والاستجابة لبعضنا البعض، مؤمنين حقا بأننا شركاء في الأرض و الدم و المستقبل , وأننا أمام عدو مشترك، وشركاء أيضا في المسؤولية وفي كل ما يتعرض له شعبنا، شركاء في المجزرة، على الرغم من اختلاف معتقداتنا وتوجهاتنا فنحن على خطر عظيم يوشك أن يعصف بكل مكتسبات ثورتنا، ويحرمنا انتصارنا، الجهل والغرور اللذان يجعلانا نقول بتلك المقولات سابقة الذكر ونكرسها واقعا أليما.
حتى نبطل أثر قانون التدمير الذاتي، علينا بقانونين مُهيمِنيْن مُهمّيْن غاية الأهمية؛ قانون النية والعزم وقانون التوحد.
أما قانون التوحد فحسبك قول ربنا تبارك وتقدس: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وهذا على طريقة البرهان بالنقض، فالنتيجة الحتمية عندما لا نتوحد أي عندما نتنازع ولا نتفق هي الفشل والضعف، ولا يخفى على عاقل ما للاتفاق والتوحد من محامد وقوة، ولا يقول عاقل عارف مجرب بغير ذلك.
أما قانون النية والعزم فهو متآزر مع قانون الحب والإرادة. فأن تحب لا يعني أنك تريد، إذا أحببت شيئا فلا بد أن تريد كي يكون، فكلنا يحب أن يزول الاحتلال وننعم بدولتنا التي نرغب ونتمنى، ولكن يبدو أننا لم نرد ذلك بعد، لأننا ما زلنا نرفل بشقاء الفرقة ونصفق بغفلة لكل من ينشدها ويكرسها على أرض الواقع. لو أردنا زوال الاحتلال حقيقة لسارعنا إلى الاتفاق والوحدة.
عندما تريد فأنت تشرع في العمل الصحيح وهذا الفرق بين الحب والإرادة (ولو أرادو الخروج لأعدو له عدة)، فقل لي بربك متى أردنا أن نتوحد تحت قيادة واحدة ذات مبدأ لا يعبث بها المال السياسي ولا المصالح الضيقة التي لا تعرف معنى الرحمة والتعاطف..؟! نحن لم نرد ذلك بعد، أي لم نشرع في العمل من أجله بعد، بل للأسف جُل ما قمنا به حتى الآن يصب في عكس ذلك.
وقل لي بربك هل أردنا زوال الاحتلال وإجبار المصالح الدولية والإقليمية المتآمرة على الخروج من مخابئها وجحورها، وطرحها على طاولة النقاش من جديد كي نسترد حريتنا وكرامتنا..؟ّ! نحن لم نرد ذلك بعد، أي لم نشرع في العمل من أجله بعد، بل للأسف جُل ما قمنا به ونقوم به حتى الآن يصب في عكس ذلك.
الإرادة التي تصل من خلالها إلى الهدف، غالبا ما تكون مخالفة لهواك ولأمراض نفسك، لذلك أنت غالبا لا تريد على الوجه الصحيح، وإنما تريد على ما تهوى نفسك، ولذلك غالبا لا يتحقق ما تحب.
إذاً نحن نحب أن ننتصر، نحب أن يزول الاحتلال، نحب أن نسترد حقوقنا، نحب أن ننصر المظلومين والأمهات الثكالى والأطفال، نحب أن نوقف الدمار ونحب أشياء كثيرة لكننا لم نرد بعد أن يكون كل ذلك، وفقط عندما نريد على الوجه الصحيح يكون كل ذلك.
أقولها وبكل حسرة وألم نحن بأفعالنا أردنا حقيقة عكس ذلك. لذلك أمضينا كل هذا الوقت ودفعنا تلك الفاتورة من التضحيات والدمار وما زلنا ندفع دون أن نتقدم خطوة واحدة في الخارج ودون أن نكمل خطوتنا الأولى في الداخل.
أما قانون النية والعزم فهو يتآزر مع قانون الحب والإرادة، فيقول: كي تقوم بأمر لا بد أن تنوي ولكي تنفذه لا بد أن تعزم، وإذا لم تكن لديك نية حقيقية فأنت تعمل في دائرة نوايا غيرك.
لدى معظمنا نحن ثوار الداخل والخارج اليوم نوايا حسنة، لكن ليس لدينا رؤية واضحة وخارطة طريق لإزالة الاحتلال وإدارة مرحلة ما بعد الاحتلال. فنحن إذ ذاك أسيرون لنوايا غيرنا. إذا لم نعزم ونغالب أنفسنا ونجتهد في بلورة خارطة طريق بأيدينا وبأفعالنا التي تترجم نوايانا لا نوايا غيرنا فنحن بشكل أو بآخر لا نوايا حقيقية لنا، وهذا يعني أن رقعة الجريمة ووقعها في اتساع وأن الأرض ما زالت عطشى للدماء وأن محابر التاريخ ملأى وصفحاته قد تزينت للتضحيات.. وأن فاتورة النصر لتنوء بالعصبة أولي القوة.. والله المستعان..
وكما قيل، ما دمنا نعاني فنحن لم نعرف بعد ما الذي نريد، أي لم نجتمع بعد على خارطة طريق.
لو أننا عرفنا حقيقة ما الذي نريده ورسمنا خارطة طريقنا إلى النصر لما عانينا من كل ذلك، لكن عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم.
حتى نعمل بقانوني التوحد والنية ونبطل مفعول التدمير الذاتي، فإن ذلك له مقايس على أرض الواقع، تقيس مقدار جديتنا وعزمنا على ذلك، وأهمها على الإطلاق ثلاثة أمور:
الأول، علينا أن نكف يد تدخلاتنا الفجة الجاهلة والمغرورة من جسمنا الثوري خارج الحدود، فلم نجن حتى الآن من هذا التدخل الذي أقل ما يوصف به أنه فوضوي وجاهل ومصاب بالعمى الاستراتيجي إلا الفرقة والتخريب والضغائن والمآسي. إن ثوار الخارج دورهم الحقيقي في المعركة هو المساندة والدعم وليس قيادة الداخل، فهذا مخالف لأبسط قواعد اللعبة التي لا تخفى على الهواة فضلا عن غيرهم.
على الجنرالات وأباطرة السياسة وأرباب المال السياسي في الخارج أن لا يتمادوا في العبث بنسائنا وأطفالنا وأبطالنا اللذين يقفون على خط النار، فللثورة معالمُ قوة وسطوة ما زالت ظاهرةً حتى الآن، ولا يبدو أن التعاطف أحدها.
إن كل الكيانات والأجسام الثورية خارج الحدود السورية لم تنجح في أن تحرف مسار الثورة على أي وجه تريد، وعلى أي محمل كان إيجابيا أو سلبيا بحسن قصد أو بسوء قصد، ولم يستطع ذلك مجتمع المصالح الدولية بكل أحاييله وألاعيبه وكل أباطرته، أفلا يكفي ذلك لأن نعود إلى رشدنا..؟! أليس منا رجل رشيد..؟!
أليس نصرة المظلوم والوقوف إلى جانب الحق تقتضي أن نضرب بمصالحنا الحزبية والفئوية والمناطقية بل وحتى المذهبية عرض الحائط..!! قل لي بربك هل هذا ما حصل منذ بداية الثورة وحتى الآن؟.. أم العكس..!!
أليس الجميع يخوض معارك انتخابية على رقعة شطرنج رصفت بجثث الشهداء والثكالى والمشردين..!! فهل يستقيم لنا نصر ونحن على هذه الحال..؟!
إنها لثورة.. وإنه لنصر يستلزم وقفة جريئة حازمة ملؤها الجسارة والشجاعة ونشدان الحق مع أنفسنا.. إنها ثورة تستلزم ثورة منا على أنفسنا قبل أي شيء.. ثورة على مفاهمينا ومنظوراتنا وتصوراتنا عن أنفسنا وعن الإقليم والعالم.
إذا أحببنا النصر ورفع الظلم فعلينا أن نريد ذلك، وإذا نوينا أن ننتصر فعلينا أن نعزم على ذلك، مهما كلفنا ذلك من تضحيات بأهوائنا ورغباتنا الشخصية والحزبية والعرقية، علينا أن ننبذ الجهل والغرور.
الأمر الثاني، مطالبون نحن بالتوحد والالتفاف على أنفسنا إن لم يكن استجابة لقوانين النصر فكرامة للثكالى والأبرياء والأعراض التي انتهكت والبلاد التي دمرت والشهداء الذي رووا بدمائهم الزكية أرضنا، وليس كرامة للمال السياسي أو للجهة الفلانية أو لأي دافع غير ذلك. فالحقيقة المرة التي لا يحب أحد منا سماعها، أننا اليوم بتعنُّـتِنا وجهلنا وغرورنا بتنا وبكل أسى وحزن شركاء في المجزرة.
عندما نتوحد حول قيادة ثورية شرعية (دستورية) داخل الحدود، يزول الاحتلال -وكيل عدونا الحقيقي- بإذن الله ونحرج العدو ولوازمه من المصالح الإقليمية والمحلية ونجبرها على الخروج من جحورها كي تُطرح على طاولة النقاش من جديد، عندها يرفع الستار ويبدو المشهد على حقيقته. إن أردنا ذلك نلناه، قانون يسري في كل زمان ومكان، " فما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا " .
الأمر الثالث، على الثوار في جسمنا الثوري داخل الحدود، أن يوقفو التدمير الذاتي ويعزمو النية على:
• الانتقال من حالة الفوضى الفكرية وفوضى المبادئ والقيم إلى حالة الإيمان الراسخ بالقيم الفضلى الراسخة.
• الانتقال من حالة التدمير الذاتي على ضوء ما سبق توضيحه إلى عزم النية على الريادة وتشكيل قيادة داخلية شرعية (دستورية) توحدهم، لا يحكمها مال سياسي أو مصالح حزبية أو فئوية أو مناطقية.
• الالتزام بفضيلة الالتزام واحترام أدوار الآخرين وفهم الدور القيادي واحترامه.
• أن يكونوا على يقين تام بأنهم هم صناع الحدث وليس أحد غيرهم على الإطلاق، وأن أحدا لا يستطيع أن يخالف إرادتهم إن أرادوا شيئا بحول الله، مهما بلغ من القوة والمال والجاه والسلطان والمكر.
وعليهم أيضا أن يكونوا على يقين تام بأن الحل لن يكون بالقوة فقط ولن يكون بالسياسة فقط، وإنما بتكاملهما، فالحق لا بد له من قوة تحميه.
أيها الثوار الأحرار، يا محابر الأمجاد والمفاخر، لنصن أمهاتنا وأطفالنا ونذود عن أعراضنا وأرضنا لنصدح بأعلى صوت ونفهم العالم بأسره بأننا شعب يحترم نفسه وثقافته وكرامته وتضحياته وأننا قادرون على التوحد وأننا أذلة على بعضنا أعزة على عدونا ومصداق ذلك أفعالنا.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد..
نحن السوريون.. كلنا ذاك الزعيم.. كلنا القيادي الأوحد.. كل واحد فينا حاله هذه الحال فمن أين لنا أن نتحد.. مستحيل أن نتفق.. معجز أن نتفق..
أعطني خمسون مقاتلا وعشرون قذيفة كي أحرر لك الشام..
لن يزيل هذا الاحتلال إلا الناتو (المنتظر)..
لقد أجبرنا الموقف الدولي على الوقوف بجانبنا، وحضر مؤتمر أصدقاء سورية مئة دولة، وقد سمعتم ماذا قال فلان وقالت فلانة..
وغير ذلك الكثير من أدبيات ومقولات ثورية أفرزتها تصورات مريضة ومعتلة، وكرستها منهجيات عمل مختلة، وغذتها تربية وثقافة قاصرتين.
ليت عمري أين ذاك الاعتراف من عشرات الدول وماذا ترجم على أرض الواقع.. وهل رُفع علمُ الثورة علمُ الاستقلال على أظهر سفارات بلدنا عند تلك البلدان المعترِفة.. ثم ليت عمري هل بقي من بيت نحتسي على شرفاته القهوة..
الإنسان عدو ما يجهل، ونرى ذلك متجليا واضحا في النظر إلى فهمنا لإشكالاتنا الثورية، فالعقل الذي تعوزه المعرفة المنهجية والحقيقية، يميل إلى تحديد الأشياء بأنماط واضحة المعالم في محاولة بائسة للسيطرة عليها، وقد ينجح جزئيا في ظاهر بعض الحالات، لكن جهده يضيع عند أول اختبار منهجي حقيقي. نرى ذلك جليا في مقولة "نسقط النظام أولا ثم بعد ذلك نحل مشاكلنا"، إذ أن المشكلات على هذا الصعيد هي تركيبة معقدة من مشاكل السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والجغرافيا والعلاقات الإنسانية والإثنية وأكثر من ذلك، وهذه كلها ليست صناديق مغلقة مستقلة منعزلة عن بعضها نرتبها كيف نشاء وفي أي وقت نشاء، وهي ليست ذات حدود زمنية محددة تبدأ في وقت معلوم وتنتهي في وقت آخر معلوم، بل على العكس تماما فهي في غاية التماهي والتداخل تغور أعماقها الزمنية أحيانا وتقصر أحيانا أخرى، فهي مختلطة ومرتبطة ببعضها بصور شتى معقدة، وعليه فإن كل مشكلة حاضرة في مرحلة ما بعد الاحتلال فإن جذورها، بل جذوعها، حاضرة في مرحلة ما قبل زوال الاحتلال، ولكن قد لا يدرك شكلها ولونها غالبيتنا. وبذلك تبطل هذه المقولة السطحية البائسة التي تفرز من المشاكل أكثر مما تحل، فالذين يؤمنون بها هم أعداء لما يجهلون، أعداء لعوامل النصر وأسبابه وأعداء لبناء دولة ذات سيادة، هم أعداء لفعل السنن في حركة التاريخ فهم بذلك أصلا خارج التاريخ، يصنعون تاريخا منهكا متهالكا على قد قياس فهمهم، هم للأسف أعداء لأنفسهم وثورتهم لأنهم يجهلون حقيقتها، والإنسان عدو ما يجهل.
عندما ندير المرحلة الآن على الوجه الصحيح، فإننا ندفع عن أنفسنا شرورا لا تحصى الآن وبعد زوال الاحتلال. وعندما لا نقوم بذلك فإننا نستجلب شرورا لا تحصى الآن وبعد زوال الاحتلال.
أيها الثوار أفيقو قبل أن نجد أنفسنا أمام فاتورة نصر " لتنوء بالعصبة أولي القوة " .
التدمير الذاتي
إن شر المقولة الشائعة على ألسنتنا " - نحن السوريين كلنا ذاك الزعيم..ومستحيل أن نتفق - " قد بات يقرع أبواب الثورة منذرا بتدميرها. وهذه المقولة تجسد ما يعرف اليوم في علم التنمية البشرية بـ التدمير الذاتي Self-Sabotageوهو قانون غاية في الخطورة يسري على الأنفس والمجتمعات والدول والأمم، ونراه جليا واضحا عند تعقب أثر هذه المقولة المغفلة البائسة.
يقول هذا القانون بأنه إذا ما كان لديك اعتقاد بأنك لا تستحق أمرا ما، فإنه إذا ما حان وقت استحقاقك له فإنك تقوم بتدميره بغية المحافظة على معتقدك وذلك في اللاوعي. قانون غريب و مروّع وثابت بالملاحظة والقياس.
وكأننا بسلوكنا الفوضوي غير المسؤول الذي يدفعنا بعيدا عن توحيد القيادة في الداخل وإمساكها بزمام المبادرة السياسية والعسكرية ندمر استحقاقنا لهذه القيادة، كي نحافظ على سلامة اعتقادنا بمقولتنا الشهيرة "نحن السوريين كلنا ذاك الزعيم.. ومستحيل أن نتفق"، إنه لأمر في غاية العجب والخطورة.
إننا نمارس وبكل وضوح تدميرا ذاتيا لثورتنا المجيدة، أقولها وبكل حرقة وألم إننا ندفع بأنفسنا عن أنفسنا النصرَ.
لا يعلم هؤلاء المساكين أصحاب المقولات السابقة المصابون بالعمى الاستراتيجي أن هناك سنن وقوانين تحكم كل شيء في هذا الوجود، في أفرادنا وجماعاتنا وفي كافة عوالمنا البشرية والطبيعية. وهي تعمل جارية بدون توقف، لا يهمها إدراكنا أو معرفتنا بها من عدمه، والتدمير الذاتي هو أحد هذه القوانين، وهو في حال ثورتنا ينحى منحى الفتك إن لم يُبطل أثره بقوانين أخرى مهيمنة عليه. وأنا لست بصدد مناقشة بطلان تلك المقولات وكشف عوّارها وإظهار ضحالتها وعمى بصيرتها، لكنني ذكرتها لأنها كلها تشكل عوامل وتخضع لقوانين تؤازر قانون التدمير الذاتي الذي نحن بصدده، وكفى هذا القانون من الشر أن له من الآثار المدمرة ما يكفيه عن أي مؤازرة. ولا شك أن عوامل مثل المال السياسي والضحالة السياسية والعمى الاستراتيجي , وخذلان المظلوم لمصلحة الحزب والمجموعة والتوجه , واستجداء مَن وراء الحدود، كلها عوامل تفكيك للثورة تُسهّل فعل التدمير الذاتي بشكل أو بآخر.
إبطال التدمير الذاتي
ما لم نسارع بلملمة أوراقنا والالتفاف حول أنفسنا من جديد، نابذين الجهل والغرور، الجهل الذي يجعلنا نستخف بمسؤولياتنا و بعدونا و بثورتنا , ونستخف بحقوقنا وواجباتنا، والغرور الذي يمنعنا من الخضوع والاستجابة لبعضنا البعض، مؤمنين حقا بأننا شركاء في الأرض و الدم و المستقبل , وأننا أمام عدو مشترك، وشركاء أيضا في المسؤولية وفي كل ما يتعرض له شعبنا، شركاء في المجزرة، على الرغم من اختلاف معتقداتنا وتوجهاتنا فنحن على خطر عظيم يوشك أن يعصف بكل مكتسبات ثورتنا، ويحرمنا انتصارنا، الجهل والغرور اللذان يجعلانا نقول بتلك المقولات سابقة الذكر ونكرسها واقعا أليما.
حتى نبطل أثر قانون التدمير الذاتي، علينا بقانونين مُهيمِنيْن مُهمّيْن غاية الأهمية؛ قانون النية والعزم وقانون التوحد.
أما قانون التوحد فحسبك قول ربنا تبارك وتقدس: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، وهذا على طريقة البرهان بالنقض، فالنتيجة الحتمية عندما لا نتوحد أي عندما نتنازع ولا نتفق هي الفشل والضعف، ولا يخفى على عاقل ما للاتفاق والتوحد من محامد وقوة، ولا يقول عاقل عارف مجرب بغير ذلك.
أما قانون النية والعزم فهو متآزر مع قانون الحب والإرادة. فأن تحب لا يعني أنك تريد، إذا أحببت شيئا فلا بد أن تريد كي يكون، فكلنا يحب أن يزول الاحتلال وننعم بدولتنا التي نرغب ونتمنى، ولكن يبدو أننا لم نرد ذلك بعد، لأننا ما زلنا نرفل بشقاء الفرقة ونصفق بغفلة لكل من ينشدها ويكرسها على أرض الواقع. لو أردنا زوال الاحتلال حقيقة لسارعنا إلى الاتفاق والوحدة.
عندما تريد فأنت تشرع في العمل الصحيح وهذا الفرق بين الحب والإرادة (ولو أرادو الخروج لأعدو له عدة)، فقل لي بربك متى أردنا أن نتوحد تحت قيادة واحدة ذات مبدأ لا يعبث بها المال السياسي ولا المصالح الضيقة التي لا تعرف معنى الرحمة والتعاطف..؟! نحن لم نرد ذلك بعد، أي لم نشرع في العمل من أجله بعد، بل للأسف جُل ما قمنا به حتى الآن يصب في عكس ذلك.
وقل لي بربك هل أردنا زوال الاحتلال وإجبار المصالح الدولية والإقليمية المتآمرة على الخروج من مخابئها وجحورها، وطرحها على طاولة النقاش من جديد كي نسترد حريتنا وكرامتنا..؟ّ! نحن لم نرد ذلك بعد، أي لم نشرع في العمل من أجله بعد، بل للأسف جُل ما قمنا به ونقوم به حتى الآن يصب في عكس ذلك.
الإرادة التي تصل من خلالها إلى الهدف، غالبا ما تكون مخالفة لهواك ولأمراض نفسك، لذلك أنت غالبا لا تريد على الوجه الصحيح، وإنما تريد على ما تهوى نفسك، ولذلك غالبا لا يتحقق ما تحب.
إذاً نحن نحب أن ننتصر، نحب أن يزول الاحتلال، نحب أن نسترد حقوقنا، نحب أن ننصر المظلومين والأمهات الثكالى والأطفال، نحب أن نوقف الدمار ونحب أشياء كثيرة لكننا لم نرد بعد أن يكون كل ذلك، وفقط عندما نريد على الوجه الصحيح يكون كل ذلك.
أقولها وبكل حسرة وألم نحن بأفعالنا أردنا حقيقة عكس ذلك. لذلك أمضينا كل هذا الوقت ودفعنا تلك الفاتورة من التضحيات والدمار وما زلنا ندفع دون أن نتقدم خطوة واحدة في الخارج ودون أن نكمل خطوتنا الأولى في الداخل.
أما قانون النية والعزم فهو يتآزر مع قانون الحب والإرادة، فيقول: كي تقوم بأمر لا بد أن تنوي ولكي تنفذه لا بد أن تعزم، وإذا لم تكن لديك نية حقيقية فأنت تعمل في دائرة نوايا غيرك.
لدى معظمنا نحن ثوار الداخل والخارج اليوم نوايا حسنة، لكن ليس لدينا رؤية واضحة وخارطة طريق لإزالة الاحتلال وإدارة مرحلة ما بعد الاحتلال. فنحن إذ ذاك أسيرون لنوايا غيرنا. إذا لم نعزم ونغالب أنفسنا ونجتهد في بلورة خارطة طريق بأيدينا وبأفعالنا التي تترجم نوايانا لا نوايا غيرنا فنحن بشكل أو بآخر لا نوايا حقيقية لنا، وهذا يعني أن رقعة الجريمة ووقعها في اتساع وأن الأرض ما زالت عطشى للدماء وأن محابر التاريخ ملأى وصفحاته قد تزينت للتضحيات.. وأن فاتورة النصر لتنوء بالعصبة أولي القوة.. والله المستعان..
وكما قيل، ما دمنا نعاني فنحن لم نعرف بعد ما الذي نريد، أي لم نجتمع بعد على خارطة طريق.
لو أننا عرفنا حقيقة ما الذي نريده ورسمنا خارطة طريقنا إلى النصر لما عانينا من كل ذلك، لكن عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم.
حتى نعمل بقانوني التوحد والنية ونبطل مفعول التدمير الذاتي، فإن ذلك له مقايس على أرض الواقع، تقيس مقدار جديتنا وعزمنا على ذلك، وأهمها على الإطلاق ثلاثة أمور:
الأول، علينا أن نكف يد تدخلاتنا الفجة الجاهلة والمغرورة من جسمنا الثوري خارج الحدود، فلم نجن حتى الآن من هذا التدخل الذي أقل ما يوصف به أنه فوضوي وجاهل ومصاب بالعمى الاستراتيجي إلا الفرقة والتخريب والضغائن والمآسي. إن ثوار الخارج دورهم الحقيقي في المعركة هو المساندة والدعم وليس قيادة الداخل، فهذا مخالف لأبسط قواعد اللعبة التي لا تخفى على الهواة فضلا عن غيرهم.
على الجنرالات وأباطرة السياسة وأرباب المال السياسي في الخارج أن لا يتمادوا في العبث بنسائنا وأطفالنا وأبطالنا اللذين يقفون على خط النار، فللثورة معالمُ قوة وسطوة ما زالت ظاهرةً حتى الآن، ولا يبدو أن التعاطف أحدها.
إن كل الكيانات والأجسام الثورية خارج الحدود السورية لم تنجح في أن تحرف مسار الثورة على أي وجه تريد، وعلى أي محمل كان إيجابيا أو سلبيا بحسن قصد أو بسوء قصد، ولم يستطع ذلك مجتمع المصالح الدولية بكل أحاييله وألاعيبه وكل أباطرته، أفلا يكفي ذلك لأن نعود إلى رشدنا..؟! أليس منا رجل رشيد..؟!
أليس نصرة المظلوم والوقوف إلى جانب الحق تقتضي أن نضرب بمصالحنا الحزبية والفئوية والمناطقية بل وحتى المذهبية عرض الحائط..!! قل لي بربك هل هذا ما حصل منذ بداية الثورة وحتى الآن؟.. أم العكس..!!
أليس الجميع يخوض معارك انتخابية على رقعة شطرنج رصفت بجثث الشهداء والثكالى والمشردين..!! فهل يستقيم لنا نصر ونحن على هذه الحال..؟!
إنها لثورة.. وإنه لنصر يستلزم وقفة جريئة حازمة ملؤها الجسارة والشجاعة ونشدان الحق مع أنفسنا.. إنها ثورة تستلزم ثورة منا على أنفسنا قبل أي شيء.. ثورة على مفاهمينا ومنظوراتنا وتصوراتنا عن أنفسنا وعن الإقليم والعالم.
إذا أحببنا النصر ورفع الظلم فعلينا أن نريد ذلك، وإذا نوينا أن ننتصر فعلينا أن نعزم على ذلك، مهما كلفنا ذلك من تضحيات بأهوائنا ورغباتنا الشخصية والحزبية والعرقية، علينا أن ننبذ الجهل والغرور.
الأمر الثاني، مطالبون نحن بالتوحد والالتفاف على أنفسنا إن لم يكن استجابة لقوانين النصر فكرامة للثكالى والأبرياء والأعراض التي انتهكت والبلاد التي دمرت والشهداء الذي رووا بدمائهم الزكية أرضنا، وليس كرامة للمال السياسي أو للجهة الفلانية أو لأي دافع غير ذلك. فالحقيقة المرة التي لا يحب أحد منا سماعها، أننا اليوم بتعنُّـتِنا وجهلنا وغرورنا بتنا وبكل أسى وحزن شركاء في المجزرة.
عندما نتوحد حول قيادة ثورية شرعية (دستورية) داخل الحدود، يزول الاحتلال -وكيل عدونا الحقيقي- بإذن الله ونحرج العدو ولوازمه من المصالح الإقليمية والمحلية ونجبرها على الخروج من جحورها كي تُطرح على طاولة النقاش من جديد، عندها يرفع الستار ويبدو المشهد على حقيقته. إن أردنا ذلك نلناه، قانون يسري في كل زمان ومكان، " فما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا " .
الأمر الثالث، على الثوار في جسمنا الثوري داخل الحدود، أن يوقفو التدمير الذاتي ويعزمو النية على:
• الانتقال من حالة الفوضى الفكرية وفوضى المبادئ والقيم إلى حالة الإيمان الراسخ بالقيم الفضلى الراسخة.
• الانتقال من حالة التدمير الذاتي على ضوء ما سبق توضيحه إلى عزم النية على الريادة وتشكيل قيادة داخلية شرعية (دستورية) توحدهم، لا يحكمها مال سياسي أو مصالح حزبية أو فئوية أو مناطقية.
• الالتزام بفضيلة الالتزام واحترام أدوار الآخرين وفهم الدور القيادي واحترامه.
• أن يكونوا على يقين تام بأنهم هم صناع الحدث وليس أحد غيرهم على الإطلاق، وأن أحدا لا يستطيع أن يخالف إرادتهم إن أرادوا شيئا بحول الله، مهما بلغ من القوة والمال والجاه والسلطان والمكر.
وعليهم أيضا أن يكونوا على يقين تام بأن الحل لن يكون بالقوة فقط ولن يكون بالسياسة فقط، وإنما بتكاملهما، فالحق لا بد له من قوة تحميه.
أيها الثوار الأحرار، يا محابر الأمجاد والمفاخر، لنصن أمهاتنا وأطفالنا ونذود عن أعراضنا وأرضنا لنصدح بأعلى صوت ونفهم العالم بأسره بأننا شعب يحترم نفسه وثقافته وكرامته وتضحياته وأننا قادرون على التوحد وأننا أذلة على بعضنا أعزة على عدونا ومصداق ذلك أفعالنا.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد..